على سفح جبل سمامة المصنف منطقة عسكرية مغلقة منذ سنة 2011 ورغم ما شهده من عمليات إرهابية، غابت كل مظاهر الخوف والحذر، رغم دوّي الرصاص وخطر الإرهاب لم يرحل سكانها .
وفي الطريق إلى جبل سمامة، تستقبلك رائحة الإكليل، والزعتر وابتسامة الأطفال وبراءتهم توّد أن تهمس إلي الزائرين والوافدين على المنطقة بأسرار عن تاريخها المجيد حيث أن مجموعة من الفلاقة احتموا بالجبل لمواجهة الاستعمار الفرنسي وهو مايفسر هوية سكان هذه المنطقة في الإصرار و التحدي.
عدنان الهلالي، الناشط الثقافي وأحد أبناء المنطقة اختار أن يبعث مشروعا نموذجيا هو “المركز الثقافي الجبلي للفنون والحرف” بريف الوساعية المتربعة على سفح جبل سمامة حتى يحتضن، عديد البرامج الثقافية والأنشطة الحرفية الموجهة للشباب والنساء الريفيات، لكسر وضع الجمود الذي يخيم على المنطقة منذ سنوات .
هذا المركز أو كما يطلق عليه “الثكنة الثقافية” هو بمثابة عربون محبة ورسالة أمل لمتساكني المناطق الريفية المتاخمة لجبل سمامة المتشبثين بهويتهم وجبالهم وهضابهم رغما عن الإرهاب الذي سلبهم مورد رزقهم الوحيد .
تحدث لـ “وات” مذكرا بأن هذا المركز الثقافي افتتح سنة 2018 وهو ثمرة جهود متتالية كبيرة حيث تكفلت مؤسسة رامبورغ للفن والثقافة ببنائه وتجهيزه بعد أن وهب هو قطعة من أرضه.
وتتكون هذه “الثكنة الثقافية” من قاعة كبرى للعروض السينمائية والمسرحية وورشات لتعليم الأطفال والشباب وملعب متعدد الاختصاصات فضلا عن فضاء مخصص للحرف التقليدية من مرقوم وأوان فخارية ومنتوجات من ألياف الحلفاء علاوة على تقطير الزيوت النباتية والعطرية والطين والحلفاء وفنون الأكلة التراثية (هريسة الزقوقو وطاجين بالحارة وعصير الهندي) وفق قوله.
وأضاف الهلالي أن المركز الثقافي سيكون خير سند وملجأ لأهالي جبل سمامة الشهير باعتباره يوفر مورد رزق قار يغنيهم عن الصعود إلى الجبل المحفوف بالمخاطر لافتا الى أنه يضم 10 نساء حرفيات بصفة قارة
وأشار في سياق متصل إلى أن المركز وجهة للعديد حيث استقبل منذ أكتوبر 2018 أكثر من 50 جنسية بما في ذلك عدة وفود ديبلوماسية و إعلامية.
وأكد على أنه يسعى دائما الى الترويج لجهة سمامة كمنطقة جاذبة للسياح والزوار من مختلف الجنسيات والشرائح العمرية سواء في مهرجان عيد الرعاة أو الندوات والورشات لافتا الى أن ذروة الموسم تكون خلال فصل الربيع للتعرف أكثر على خصوصية جبل سمامة بما في ذلك الصنوبر الحلبي والخبيزة والحلفاء والزيتون.
وفي أحد أركان المركز الثقافي، تستوقفك معلبات متراصفة وقوارير زجاجية تتوزع إلى مربى وزيوت طبيعية أبدعت أنامل نساء سمامة في استخراجها للتشبث بجذورهن والمحافظة عليها .
وفي نفس المكان تتعالى الأهازيج ويرتفع صوت إيقاع الأغاني الشعبية المميزة للمنطقة وتقرع الطبول “سلملي على الطرخانية” لتأسرك إحدى النساء وهي مرتدية ملية بدوية والوشم يزين خدها بصدد تنظيف الصوف وغزله
نزيهة الهلالي (67 سنة) تحدثت لوات فبينت أن نساء المركز الثقافي يجتمعن كل موسم لغزل الصوف بشكل جماعي (وهو تجمع يطلق عليه “التويزة” ) لحياكة القشبية والبرنوس لاحقا، وسط تعالى النكات و ضحكاتهن.
وبينت أن هذا الفضاء هو ملجأهم الوحيد خاصة أن هذه الحرفة تعتبر مصدر رزق أغلبهم لافتة الى أن السكان خلقوا في الجبل وسيحافظون عليه مهما كلفهم ذلك. وتحدثت بكل حسرة عن أن عددا من أقربائها استشهدوا في إحدى العمليات الارهابية ومن ذلك الوقت لم تتوجه الى جبل سمامة لجمع الحلفاء أو حتى الاكليل.
وطالبت في سياق آخر بتوفير الماء الصالح للشرب وتوفير أبسط المرافق الضرورية لهم.
من جهتهم أعرب عدد من السياح الجزائريين عن فرحهم بوجودهم في هذه المنطقة التي عرفت في السنوات الأخيرة عدة عمليات إرهابية واستحسانهم لهذه المبادرة الدالة عن الأمل والتحدي.
وتتواصل اللقاءات والسمر والاحتفالات على مزيج من الشاي الأخضر المحبذ لدى متساكني أغلب المناطق الريفية، وسط طموحات أهالي سمامة بأن تنتشر السكينة من جديد.
اترك رد